ضمن نشاطات الجمعية العلمية التاريخية ، وبالتعاون مع المركز الثقافي في عين الشرقيّة – منطقة جبلة ، محافظة اللاذقية – ألقى مؤسس ورئيس مجلس إدارة الجمعية الأستاذ : عزالدين علي ، محاضرة ثقافية بعنوان ( صفحات في تاريخ اللاذقية ) بحضور أعضاء مجلس الإدارة ، وأعضاء الجمعية وأصدقائها ، وفيما يلي نورد أهم ما جاء في المحاضرة :
صفحات في تاريخ اللاذقية
عندما نكون في حضرةِ اللاذقية نقفُ بانحناءٍ واحترامٍ لأنَّ كلَّ حبةِ ترابٍ فيها خلفَها ألفُ حكايةٍ وألفُ تاريخٍ يتكلم.
نقفُ بانحناءٍ واحترامٍ للاذقية التي قدّمَت للعالمِ أنصعَ وأروعَ الصفحاتِ في تاريخِ البشرية.. وفي هذه العجالة سنستعرضُ باختصارٍ شديدٍ تاريخَ مدينة اللاذقية وأهمُّ المواقعِ الأثريةِ في محافظة اللاذقية.
سكنت اللاذقية منذ منتصف الألف السادس ق.م …
وبين عامي 4000 – 1400 ق.م كانت اللاذقية عبارة عن قريةٍ صغيرةٍ مساحتها حوالي 1.5 هكتار وتتربعُ على مرتفعٍ صخريٍ تسمى (مزبدا) وربما كان لهذا الاسم علاقةٌ بزبدِ البحر.
ثم أطلقَ عليها (لوكية أكتة) وتعني باليونانية الشاطئُ الأبيض وربما هذا ما كان يطلقهُ عليها البحارةُ الأجانب..
وتشيرُ اللقى الأثرية الفخارية على اتصالٍ بينها وبين قبرص والعالم الإيجي في المتوسط خلالَ عصرِ البرونز وعصرِ الحديد.
بين عامي 1600 _ 1200 ق.م سكنَها الكنعانيون وأصبحَ أسمها (باريموتا) ويُعتقد بأنَّه تم تحريفُ الاسم ليصبحَ في القرنِ الرابعِ ق.م راميتا.
في العصر الهلنستي 300 – 64 ق.م خضعتِ اللاذقيةُ لسلوقس نيكاتور بعد وفاةِ الاسكندرِ المقدوني فأعادَ بناءَ اللاذقيةِ وأطلق عليها لاوذكية تيمناً باسمِ والدتِه وقد دامت سيطرتَهم حوالي قرنين ونصف من الزمن.
بُنيتِ المدينة أيامَ السلوقيين وفقَ مخططِ المدنِ الإغريقيةِ أي على شاكلةِ رقعةِ الشطرنجِ وأصبحتْ إحدى المدنِ السلوقيةِ الهامةِ حيثُ سُكَّتِ النقودُ باسمِ لاوذكية التي حكمَها مجلسٌ بصلاحياتٍ واسعة.
وفي نهايةِ العصرِ السلوقي عمّتِ الفوضى مما ساعدَ على سيطرةِ ملك الأرمن (دكران) عليها وعلى قسمٍ كبيرٍ من سورية واستمرتْ لاوذكية تحتَ سيطرتِه أربعةَ عشر عاماً فجعلها مرفأً رئيسياً لسورية الشمالية.
وفي العصرِ الروماني 64 ق.م – 365 م تأثرتْ اللاذقية بالصراعِ القائمِ على السلطةِ الرومانيةِ فتعاقَبَت أحوالُ الاستفادةِ والتضررِ من التغيراتِ في روما وامتازت في هذه الفترةِ ببنائِها الجميلِ ونشاطِ مرفئِها ونبيذِها الفاخرِ ونقودِها الفضيةِ والبرونزيةِ التي تحملُ اسمَها واسمَ أحدِ الأباطرةِ ولعبَ مرفؤُها دوراً في النشاطِ الاقتصادي المستمرِ وفي رفاه المدينة.
وفي العصر البيزنطي 335 – 637 م شهدَتْ اللاذقيةُ صراعاً دينياً وتعرضتْ لزلزالٍ عنيفٍ سنة 529 م دمّرَ قسماً كبيراً منها وقتلَ حوالي 7500 شخص.
وفي عام 637 م فُتِحت لاوذكية على يد القائدِ العربي الإسلامي عبادة ابن الصامت الأنصاري بتكليفٍ من أبي عبيدةَ بنُ الجراح وأخذت اسمها العربي (اللاذقية) ثم أُطلِقَ عليها بعد ذلك لاذقيةُ العربِ لتمييزِها عن سبعِ مدنٍ أخرى تحملُ نفسَ الاسم تحتَ السيطرةِ البيزنطيةِ.
وبعدَ مؤتمرِ الجابية 683 م ضُمتِ اللاذقية إلى جندِ حمص وفي عام 718 م غزاها البيزنطيون من البحرِ ودمروا قسماً كبيراً منها فأمرَ الخليفةُ عمر بن عبد العزيز بإعادة بنائِها وتحصِينها.
وفي عام 860 م تعرضَتْ لهزةٍ أرضيةٍ عنيفةٍ هَدّمَتْ معظمُ أبنيتٍها وقتلتْ أعداداً كبيرةً من سكانِها فأمرَ الخليفةُ المتوكلُ بإعادةِ بنائِها ودفعُ التعويضاتِ للمتضررين.
خضعتِ اللاذقيةُ للحمدانيين بعد قيامِ إمارتِهم في حلبَ 944 م وفي عام 968 م احتلَّها البيزنطيون من جديدٍ وفي عام 1068 م خضعتِ اللاذقيةُ لأمراءِ بني منقذ في قلعةِ شيزر فسلَّموها إلى السلطانِ السلجوقي ملك شاه.
وفي عام 1108 م سيطر عليها الصليبيون بواسطةِ والي انطاكية تانكريد واطلقوا عليها اسم لاليش. وفي عام 1170 م تعرضت لزلزالٍ مدمرٍ. وفي عام 1188 م حررها صلاح الدين الأيوبي. غيرَ أن الصلبيين استطاعوا السيطرةَ عليها بعد وفاتِه. وفي عام 1287 م تعرضَتْ من جديدٍ لزلزالٍ مدمرٍ ألحقَ بها أضراراً كبيرةً وخاصةً في تحصيناتِها وكانت لا تزالُ تحتَ سيطرةِ الصليبية فاستغل السلطان المملوكي قلاوون هذهِ الفرصةَ وهاجمها واستولى على المدينةِ.
استمرت السيطرةُ المملوكية من عام 1287 – 1516 م وأُتبعت اللاذقية فيها إلى نيابةِ طرابلسَ وأصبحَ مرفؤها جيداً ونشيطاً وكثُرت فيها الأشجارُ وسُقيتِ بالصهاريج وقد تعرضت في عام 1436 م إلى غزوٍ صليبي جديد.
وفي العصرِ العثماني الذي استمر بين عامي 1516 – 1918 م بقيت تابعةً لولايةِ طرابلسَ الشام بصفةِ سنجق (منطقة) وكانت في حالةِ خرابٍ وقلَّ عددُ سكانِها كثيراً إلّا أنَّ زراعةَ التبغِ ساهمتْ في تحسينِ حالتِها الاقتصاديةِ لكنها تعرضت عام 1796م لزلزالٍ هائلٍ تكرّرَ عدّةَ مراتٍ حتى عام 1822 م وفي عام 1832 م خضَعت اللاذقية لإبراهيم باشا قائد القوات المصرية زمن محمد علي باشا والي مصر حتى عام 1840 م كما تعرَّضت لوباءِ الكولرا عدّةَ مراتٍ في القرنِ التاسعِ عشرَ الميلادي.
ساهَمَتْ في مقاومةِ الاحتلالِ الفرنسي الذي استمرَ من 1920 م إلى 1946 م.
تضمُّ محافظةُ اللاذقيةِ الكثيرَ من المواقعِ الأثريّةِ الهامّةِ الغنيّةِ بآثارِها وتراثِها الحضاري المميز من أهمها.
رأس شمرة (أوغاريت):
تقع رأس شمرة (أوغاريت) التاريخيّةِ على بعد 11 كم شمال اللاذقية وتعتبر من أهمِ الممالكِ السوريّةِ في تاريخِ الشرقِ القديمِ وقَدّمتْ للبشريةِ أولَ ابجديةٍ في التاريخ مؤلفة من 30 حرفا حوالي عام 1400 ق.م كما قَدّمتْ أولُ نوتةٍ موسيقيةٍ وشيدت أقدمَ تجمعٍ سكنيٍ في الألفِ السادسِ ق.م واستمرَتْ عامرةً بسكانِها.
وفي حوالي 2500 ق.م وصلتها قبائلُ عربيةٌ كنعانيةٌ حيث استطاعتْ السيطرةَ على حوضِ المتوسطِ وأقامتْ أكبرَ وأعظمَ امبراطوريةٍ تجاريةٍ في التاريخ القديم …
وقدمتْ للبشريةِ أسمى وأنبلَ رسالةٍ إنسانيةٍ في تاريخِ البشريةِ (أيها السّوريُّ حَطّمْ سيفَكَ وتناول معولَكَ واتبعني لنزرعَ السلامَ والمحبةَ في كبدِ الأرض …).
قلعة صلاح الين:
تقع على قمةِ جبلٍ بجانبِ الحفةِ شيّدَها الصليبيون 1119م على أنقاضِ قلعةٍ فينيقيةٍ وقد صنفتْ مع أوغاريت على لائحةِ التراثِ العالمي.
ست مرخو (سميت نسبة للقديس سانت مارك أو إله الخصب والشجر):
تقع شمال اللاذقية على بعد 11 كم أقدمُ موقعٍ أثري مُكتَشفٍ سكنهُ الإنسانُ خارجَ افريقيا شهِدَت سكَن الإنسانِ (الهومو أرنتوس) الذي كان منتصب القامة واستمر سكن الإنسان فيهاِ منذُ مليونَ سنةٍ حتى الآن.
بكسا (بيت الكساء) اسم فينيقي لاشتهارها بزراعة التوت:
تقع شمال اللاذقية على بعد حوالي 8 كم وُجِدَت فيها لقاً أثريةً تشبهُ آثارَ ست مرخو لكنها أحدثُ منها تعودُ إلى حوالي 700000 عام ق.م.
الهنادي والخلالي (كانت تسمى سنبالو ثم هنادي نسبة لسكنها من قبل قبيلة الهنيدي العربية):
تقع جنوب شرق اللاذقية على بعد 6 كم بين نهري الكبيعُثِرَ في هذين الموقعين على لقاً أثريةٍ عمرُها حوالي 300000 عام ق.م.
الشير (كلمة فينيقية تعني الجروف الصخرية):
تقع شرق اللاذقية على بعد 7 كم بجانب نهر الكبير الشمالي عُثِرَ فيه على آثارٍ يتراوحُ عمرُها من 12000 – 35000 عام ق.م.
كما تشيرُ الدلائلُ إلى إنَّ الإنسانَ المتحضّرَ سكنَ اللاذقيةَ منذُ حوالي ستةِ آلافٍ وخمسمئةِ عام 6500عام ق.م
وهناكَ مواقعُ كثيرة عُثِرَ فيها على أدواتٍ حجريةٍ يتراوحُ عمرُها بين 25000 – 100000 عام كرأسِ البسيطِ.
تلُّ الشاميّةِ (كلمة آرامية تعني الحسناء أو ربما الشامة):
تبعد عن مركز مدينة اللاذقية شمالا 15 كم أو ما يعرف (بتلِ نهرِ العربِ) الذي شًهِدَ سَكَن الإنسانِ منذُ عصرِ الحديد بين 2000 – 1500 ق.م.
تلُّ سوكاس:
تشير اللقى الفخارية إلى أن الحياة بدأت بالتل قبل حوالي 3000 ق.م وكان يسمى تلُّ شوكسي أو سوكسي وهي كلمة يونانية الذي يعودُ تاريخهُ إلى عصرِ البرونزِ المتأخر حوالي 1900 ق.م جنوبَ مدينة جبلة ب 6 كم يرتفع عن سطح البحر 24م.
يتألف قسمه العلوي من أنقاض أثرية. أقدم اللقى الأثرية يعود إلى ما بين 1900 – 1750ق.م من أهمها قالب التماثيل والأختام كما عثر على آثار عصر البرونز الحديث 1600 – 1200 ق.م وقد عاصر أوغاريت يستدل على ذلك من خلال الأختام والفخاريات التي تشبه مثيلاتها في قبرص وفلسطين..
كما اكتشف فيه آثار كنعانية وفينيقية ويونانية 844 – 840 ق.م وآثار العصر الهلنستي والروماني والإسلامي.
لها مرفآن على اليمين واليسار منها.
تلُّ سيانو:
أو ما يسمى (تلُّ ثيانا أو أوسناتو أو شيانو) وجدت فيه سويات تعود إلى عصر البرونز القديم والمتوسط والحديث ووجدت أدوات حجرية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ عاصرت أوغاريت ودخلت معها في الكثيرِ من الأحيان في صراعٍ على اقتسامِ مناطق النفوذِ.
يبعد عن جبلة إلى الشرق حوالي 8 كم مساحته حوالي 10 هكتار وارتفاعه حوالي 149 م عن سطح البحر.
قيه سويات تعود إلى حوالي 4000 ق.م وقد شهد استمرار حضاري من البرونز القديم إلى المتوسط فالحديث مرورا باليوناني والهلنستي والروماني والإسلامي.
وقد لعبت دورا كبيرا في الصراع مع الأموريين والعموريين.
تلُّ تويني:
يقعُ شمالِ شرقِ مدينةِ جبلة على بعد حوالي 1 كم ويعودُ تاريخُه للنصفِ الثاني من الألفِ الثاني ق.م.
ويعتقد بأن عمر الاستيطان يعود إلى 4500 ق.م.
آثارُ عين سالم (عين سلم).
تقعُ قربَ عينِ الشرقيةِ جنوب شرق 25 كم جبلة.
عثر فيه على لوحة فسيفسائية تعود للعصر البيزنطي طولها 10م وعرضها 8م وتعتبر من أهم اللوحات المكتشفة في المنطقة الساحلية كما اكتشف عملة نقدية تعود إلى زمن جستنيان ولقى أخرى كثيرة …
وتعتبر كنيسة عين سالم أول كنيسة يتم الكشف عنها في الساحل السوري…
قلعةُ المينقة (التاج المنيع):
تعود للعصر الروماني تبعد عن مدينة جبلة 37 كم سميت ملكاس زمن الفرنجة
تقعُ قربَ وادي القلع وتعني (التاجُ المنيعُ).
ومن الآثارِ الأخرى آثارُ مدينةِ جبلة (كالميناءِ الفينيقي والمدّرجِ الروماني والمدافنِ والحماماتِ).
آثارُ تلّ البسيط – رأس أبن هاني _مدافن الفاروس – إضافة لمواقع كثيرةٍ شهدت سكن إنسان النياندرتال في محافظةِ اللاذقية.
هذه أمثلةٌ قليلةٌ لمواقعَ أثريةٍ كثيرةٍ جداً بعضُها مُكتَشفٌ وبعضُها الآخر ينتظرُ الاكتشافَ .
الحفة:
وعلى بعدِ 27 كم شمالَ شرقِ مدينةِ اللاذقيةِ تقعُ مدينةُ الحفةِ التي تتكونُ من صهيونَ مركزِ المدينةِ وقُراها التسعةِ التّابعةِ لها وهي (القادسية – بابنا – حوفلة – الزطيلية – اشبنعو – دفيل – بكاس – شير القاق – الزنقوفة – قلعة صلاح الدين).
تتميزُ الحفةُ بجمالٍ متميزٍ وأخّاذٍ وتشتهرُ بزراعةِ العنبِ والتينِ والحمضياتِ واللوزِ والدراقِ والخوخِ والجانرلكِ والخرنوبِ … إلخ وللعنابِ مكانةٌ متميزةٌ فيها حيثُ يُعتَقدُ بأنَّها من أوائلَ المناطقِ التي زُرعَ فيها إضافةً للمشمشِ.
تمتازُ الحفة بالغابةِ الجميلةِ المزينةِ بأشجارِ السنديانِ والصنوبرِ….
جبالُها تنحدرُ بشدةٍ لتشكّلَ ودياناً عميقةً تجري فيها جداولَ وأنهارَ كنهرِ المنطرةِ ووادي القلعةِ وعلى إحدى قممِها تقفُ بشموخٍ قلعةُ صلاحِ الدين الأيوبي بمنظرٍ مهيبٍ وتتربّعُ في أحدِ وديانِها بحيرةٌ جميلةُ خلفَ سدِّ الحفةِ.
وتسميةُ الحفةِ جاءت من كونِها تقعُ على حافةِ جبلٍ ممتدةٍ بشكلٍ طولاني ويحدُّها من الجانبين وديانٌ عميقةٌ وكانت تسمى سابقاً صهيون أي الصخرةُ العاليةُ باللاتينيةِ والصخرةُ العتيدةُ بالفينيقيةِ وكلمة صهيون وردت في خمس لغاتٍ قديمةٍ بمعنى متقاربٍ (الصخرة) وهي الفينيقية والآرامية واللاتينية والسريانية والعبرية…
سكنَ الفينيقيون المدينة قبل الميلادِ بقرونٍ عديدةٍ وجعلوها مركزاً للتزودِ بالأخشابِ لصناعةِ سفنِهم التي جابتْ بحارَ العالمِ وبنَوا قلعةً قربَ المدينةِ لحمايةِ مناطقَ نفوذِهم وطرقِ تجارتِهم …
وانتهت المحاضرة بجملة مداخلات هامة من بعض الحاضرين ، الذين طالبوا بزيادة هذه الأنشطة الهامة ، وضرورة دعوة جيل الشباب للحضور والمشاركة .
وهنا لا بُدّ من توجيه الشكر والامتنان للأستاذ الباحث عزالدين علي وللجمعية العلمية التاريخية وإدارتها وأعضائها ..
داود عباس
daoodabb@ Gmail.com
Discussion about this post