قد لا يكون ذلك اليوم بالبعيد , أو بالمستحيل , أن نرى الخليجيين يطاردون (ويطردون) الأميركيين من ديارهم …
الباحث الاستراتيجي روبرت سوتلوف يتوقع “أن نغادر هذه المنطقة التي أربكت الآلهة , والأنبياء , حالما يبدأ النفط في النضوب” . هكذا قد نستفيق ذات يوم ولا نعثر فيه على أي أثر للأميركيين .
كثيرون سوف يقولون “لقد رحل الشيطان” , ولكن أي شيطان آخر ينتظر الشرق الأوسط ؟ لعل السؤال الذي يعنينا أكثر : هل يلحق الاسرائيليون بالأميركيين ؟ سوتلوف يعتقد ان المنطقة قد تدخل في فوضى نهاية العالم . بطبيعة الحال لن يتمكن الاسرائيليون من البقاء وسط هذه المقبرة .
الأميركيون الأكثر التصاقاً بالولايات المتحدة أكثر الساخطين عليها . اذ أوقف البنتاغون الضوء الأخضر الذي أعطاه دونالد ترامب للأمير محمد بن سلمان باحتلال قطر , تحت عنوان توحيد مرجعية النفط والغاز في الخليج , لم يقدموا له أي مؤازرة ميدانية حقيقية في اليمن . دورهم اقتصر على تزويده بالقنابل , وبالصواريخ ليتركوه يدور في تلك المتاهة .
لا بل أن البلدان التي أمدتها الرياض بمليارات الدولارات تذرعت بحجج مختلفة للامتناع عن المشاركة الميدانية في الحرب , بعدما كانت تراهن على امدادها بآلاف الجنود ما يمكنها , حسب اعتقاد أهل البلاط , من اجتياح صنعاء في غضون أسابيع , ربما في غضون أيام .
باكستان التي زودتها السعودية بالمال اللازم لصناعة القنبلة النووية , على أن تكون الظهير النووي للمملكة , تذرعت بأن أكثر من 20 % من جيشها من الشيعة , حتى اذا ما انخرطت في حرب أعطاها بعض الاعلام منحى مذهبياً لا بد أن يهدد ذلك بتفكيك المؤسسة العسكرية التي هي العمود الفقري لوجود , ولبقاء , باكستان .
الأردن الذي كان السعوديون يعتبرونه مجرد دمية بين أيديهم خذلهم موقف الملك عبدالله الثاني , الخائف على أن يصيب جيشه , وهو الحامي الأول للعرش , ما اصاب الجيش المصري في ستينات القرن الفائت . بالحرف “الأردن لا يستطيع تحمل جثة جندي واحد من اليمن” .
لكأننا الآن أمام مشهد سريالي . لنقل انها احدى مسرحيات اللامعقول . في الوقت الذي تفتح فيه الأبواب الديبلوماسية على مصراعيها بين ضفتي الخليج , يضرب الحوثيون مطار أبو ظبي . كيف ولماذا ؟
بداية , نتوقف عند ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” , المقربة من مراكز القرار , عن مسؤول أميركي حول “عدم وجود أي شبهة بتورط ايران في الهجوم . الحوثيون فعلوا ذلك بمفردهم . هل يمكن لعبد الملك الحوثي أن يقدم على تلك الخطوة الخطيرة , وفي هذا الوقت بالذات, على الأقل دون استشارة طهران ؟
في السياق الكلاسيكي لأي مفاوضات يحدث التسخين الميداني للتأثير على الطاولة . في الحالة الراهنة , أي تسخين قد يؤدي الى تعثر المفاوضات التي يراها الايرانيون هامة جداً تزامنا مع المسار الذي تأخذه محادثات فيينا .
قد تكون الضرورات الميدانية وراء ذلك التصعيد الدراماتيكي . “أنصار الله” الذين فقدوا شبوة , وبدا ان وجودهم على أبواب مأرب لاحصاء القتلى فقط , يخشون , اذا ما بقي الايقاع الراهن , أن يصل “العمالقة” الى أطراف صنعاء . يعتبرون أن الاماراتيين , بالرؤوس الباردة والأكثر حنكة من السعوديين في التعاطي مع الأرض , هم من قلبوا الموازين بتلك الطريقة الصاعقة .
الغاية من ضربة الاثنين حمل الامارات على خفض , أو وقف ضغطها العسكري , بالتداعيات البالغة الأهمية على مصير الوضع في اليمن بصورة عامة .
في الخليج لم تعد الاسئلة تطرح وراء الجدران . حول ما يجول في رؤوس الأميركيين الذين قد يعرضون صفقة ما على الايرانيين تتعلق بالمسار الجيوبوليتيكي للمنطقة , وان كانت فلسفتهم تتمحور , على ادارة الصراعات الاقليمية بالصورة التي تكرس هذه الصراعات الى الأبد , ما دام بالامكان توظيف الوضع تكتيكياً واستراتيجياً .
صدمة في الخليج . هل هو الدفع نحو ردهة المفاوضات بديناميكية ديبلوماسية , تعيد ترتيب العلاقات السعودية ـ الايرانية , تالياً العلاقات الخليجية ـ الايرانية , عشية تحولات دولية تتبلور أكثر فأكثر , وراء الضوء ؟
آن الأوان لوقف هذه الدوامة , الأولوية لدوامة الدم …
Discussion about this post