بقلم /د.ناجي أمهز
كان وداعاً مؤلماً للغاية وأنت تودع جزءاً كبيراً من ثقافة عالمية أرخت بظلالها من كل أنواع الورود والبخور في زمن البارود والنار.
إنه سعادة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الصديق الدكتور (عباس خامه يار) …
هو في الحقيقة خير جليس في الأنام وخاصة هذه الأيام، تاتي إليه وأنت تظن أنك ستبهره بكلماتك وما حملته بجعبتك من نصوص وأفكار، ما أن تجلس معه حتى تجد الصمت هو لغتك، والإعجاب بما يقوله هو حاجتك وحجتك، تأخذك كلماته إلى لبنان الذي تحبه بجماله وتعايشه وثقافته، تحمل قلما وتدون في ذاكرة قلبك ما يخبرك به عن وطنك، جميلة جدا لكنته، وعظيمة جدا فصاحته، تنطلق الأحرف من أعماق روحه لتصل إلى أوتاره الزكية الصوفية، وهو يقرا على مسامعك قصص العشق والثورة والحضارة، يجعلك تشاهد إيران الأمة كأنك من سكانها، وتكاد تمد يدك للتلمس مآذنها وكنائسها.
الدكتور (خامه يار) يحدثك عن كل شيء، بأسلوب مهذب أنيق مفعم بالثقافة، كالغيم عندما يتساقط مطرا خفيفا لطيفا، في فصل الصيف الملتهب، تروي ظمأك ويلطف الجو من حولك، وتقول يا الله يا الله.
عملت أنا وسعادته على بعض الأمور، وكان هناك زيارات متعددة مع شخصيات دينية واجتماعية وازنة، أحبّتْهُ بصدق، وتابعتْهُ واهتزّت وتأثّرت عندما علمت بانتقاله من وطنه الثاني لبنان إلى وطنه الأم إيران، لقد بكى الدكتور عباس في كلمة وداعه، وبكيت عيوننا وحزنت قلوبنا، وفي الكثير من الأحيان وقفت الكلمات للحظات في حنجرته قبل أن تصل إلى أرواحنا، ومع وقوف صوته عن إكمال كلمته وقفنا لنقول له إننا هنا، أننا هنا وإيران في قلبنا هنا..
كان الدكتور (خامه يار) يودعنا بأقوال من الشعر الفارسي يترجمها إلى العربية، حقا كانت الكلمات فارسية تشعر بها كأنها نوتة موسيقية، ولكن عندما يترجمها تشعر بما يشعر هو نحو لبنان، قال أنا لم أعيش في لبنان أربعون يوما بل أربعون عاما، نعم جملة صغيرة تخبرك عن وقت طويل للغاية بين النخبة الثقافية اللبنانية.
الدكتور (عباس خامه يار) وصل إلى عمله بأصعب الظروف وأحلكها، من جائحة كورونا إلى الوضع اللبناني الذي غاب كل شيء جميل فيه بسبب الانهيار الاقتصادي الكبير الذي أصابه، لكن حضور المستشار خامه يار كان من الأشياء الجميلة حقا.
غادرنا الدكتور عباس إلى وطنه إيران التي يعشقها ويفديها بدمه، وترك فينا عشق إيران، والجمهورية الإسلامية في إيران التي قدمت ثقافة الحياة وحوار الأديان والحضارات، لن تبخل علينا بمن هم بمثل هامة وقامة وعمق ومكانة الدكتور عباس خامه يار ثقافيا، فالثقافة هي المعيار الذي يوضح هوية المجتمعات البشرية والسلوك الإنساني، من أدب وفن وموسيقية وشعر وهندسة معمارية وحتى أنواع الطعام هي ثقافة، فكم جميل أن يكون بيننا مثقفا، يحمل في قلبه وعقله الإف السنوات من الحضارة ليخبرنا عنها ونخبره عن ثقافتنا.
بالختام أشكرك يا أخي على (كتاب جرح وزيتون) ، فالجرح على وداعك بالقلب، والزيتون سأختلص منه الزيت لأُنِيرَ فكري وعقلي وروحي، الذي أضاءت فيه على نخب لبنانية وإسلامية جعلتنا نشاهد أشياء لم نكن لنشاهد جُمَلها وجمالها لولا رسمك بالكلمات، الجوانب الجميلة بها وفيها.
أخي الدكتور (عباس خامه يار) : لن أقول وداعاً، بل إلى اللقاء دائماً وأبداً بإذن الله.
Discussion about this post