من الطبيعي أن يكون المؤمن راضياً بلقاء الله سبحانه، غير معترض على قضاء الله وقدره مسلّماً أمره لله في حال أصابته مصيبة الموت وداهمه الخطب الجلل …ولكن ليس من الطبيعي أن تجد مؤمناً عاشقاً للموت طالباً له باحثاً عنه في كل ميادين الموت وساحاته الحتمية -ليس كراهيةً في الدنيا وبغضاً للحياة فيها بسبب ضيق العيش وزحمة المشاكل والنوائب التي قد تتوالى على صاحبها دون تقطع أو فترة استراحة- وإنما حباً في الله، عشقاً لله، وإقداماً عن رضى نفس وطيب خاطر جهاداً في الله وفي سبيل الله، إعلاءً لكلمة الله العليّة، ورفع راية الأمة المحمدية، وانتصاراً لعباد الله المؤمنين المستضعفين وفق التشريعات والتوجيهات الإلهية ، ولتستقيم دعائم الرسالة القرآنية العالمية، فـيتم الله نوره ولو كره الكافرون والمشركون ….
الإمام علي -عليه السلام- لم يكن فقط مجرد إنسان عادي ولا مؤمن عادي، بل كان إنساناً بكل ما تعنيه كلمة الإنسانية، ومع إنسانيته فقد كان مؤمناً من الطراز الأول .
ماذا يعني (فُزتُ ورَبِّ الكعبة) …؟!
عبارةٌ سجّلها التاريخ هي من أشهر العبارات التي قالها الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- .
عبارة لم يسبقه إليها قبله أحد، ولم يأتِ بها بعده أحد .
عبارة قالها الإمام علي بن أبي طالب في أخطر اللحظات وأدقّ الأوقات حساسية ….
سعادةٌ في لحظة لايُتَوقّع فيها غير البكاء والصراخ والأنين …
ثباتٌ في لحظة لايُتوقّع فيها سوى الفزع والتخبّط والإرتباك …
رضىً وطمأنينة في لحظة يُتوقّع فيها الجزع والهلع …
شغفٌ وعشقٌ في لحظة يُتوقّع فيها بُغضُ المشاعر وكراهةُ النفس فضلاً عن الغير وكره المصاب.
معيار الولاية الحقيقية ونقطة التحدي لإثبات دعوى الإيمان والتولي الصادق لله ورسوله : (إِنْ زَعَمتُم أنّكم أولياءُ لله من دون الناس فَـتَمَنّوا الموتَ إن كنتم صادقين) …!!!
وحده الإمام علي بن أبي طالب فقط هو مَن قَبِلَ التحدي على علم ودراية ، خاضَ معركة البلاء المبين (البلاء الحَسَن) بكل إيمان وكفاءة واقتدار ، نجح في محطات الإمتحان المختلفة والمتعددة، وفي جميعها دون استثناء بتقدير امتياز وفوق الممتاز …تجاوز المرحلة …فانطبقت عليه المعايير الإلهية الملكوتية…
ولا أدلّ على ذلك من مقولته الفريدة وصيحته الخالدة لحظة اغتياله بأفتك الأسلحة في زمانه، دَبَّره له أخبث تحالف شيطاني، وتم تنفيذه بأحقر أداة أشقى الأمة …جملةٌ موجزةٌ مفيدةٌ بليغةٌ عبّرت عن كمال إيمانه، وقوة علاقته وارتباطه بالله تعالى، وصدق تولّيه، وبلوغ تسليمه المطلق لله والرسول، وثباته على القضية والمبدأ، فمنها كانت صدمةً قاضيةً على نفسيات الأعداء، و منها كانت وَصِيَّةً خَطّها بدمه الطاهر و رسالةً واعيةً خالدةً لأجيال الأمة المحمدية يستمد منها المؤمنون الوعي والقوة والثبات والتضحية والفداء، ويستلهمون منها الإيمان والشجاعة والصبر وصدق الإرادة في البذل والعطاء، وكما ابتدأ سيرته الجهادية بأشهر عبارة قالها سلفاً يوم الأحزاب 🙁 أنا له يارسول الله) في ساعةٍ كان الإسلام أحوج ما يكون إليها ، و في ظرفٍ أحجم الجميع من حوله عن قولَها …!!!
هاهو يختتم حياته أيضاً بأشهر وأقوى كلماته : (فُزْتُ وَرَبِّ الكعبة) ….في وقت لم يكن أحد يتوقعها، لها من الدلالات والأبعاد ما لم يستطع -حتى اللحظة- أغلب البشر أن يستوعبها …!!!
نهايةٌ أكدت قوةَ الموقف، وواحدية المسار، وصوابية الاتجاه، وسلامة البداية …..
(فزتُ وربّ الكعبة): نقطة نهاية, شكّلت ورسمت نقطة بداية في عالمٍ جديد … وعهدٍ جديد .
فــكـان بِـحَـقٍّ (وَلِـيُّ الله) …فَازَ وأفلَحَ مَن أَحَبَّهُ وتَوَلّاه.
(ومَـن يتولّى اللهَ ورسولهُ والذين آمنوا فإنَّ حزبَ الله هم الغالبون) صدق الله العظيم.
Discussion about this post