صحون طائرة في ساحة النجمة
نبيه البرجي
أكثر بكثير من أن تكون ثقافة التفاهة . ايديولوجيا التفاهة . كيف للشاشات التي تملأ الهواء بالغربان الضاحكة ألاّ تقتلها الثرثرة ؟ حتى برامج الترفيه باتت ثقيلة الظل , وخالية من أي لمسة تبعث بعض الروح في الروح .
نستذكر غوته , وهو يستنطق فاوست , بطل مسرحيته الشهيرة , الذي باع روحه للشيطان (نحن نبيع أرواحنا لمن هو أشد هولاً من الشيطان) . قال “أيها السادة … الجحيم يملأ المكان” . عندنا الجحيم يملأ كل الأمكنة وكل الأزمنة !
لا تكفينا ملهاة الخميس (لكأنه الخميس الأسود) لنفاجأ بملهاة داخل الملهاة . نواب التغيير الذين بعضهم طرح نفسه تشي غيفارا , والبعض اميليو زاباتا , ومن تبقى مارتن لوثر كينغ , لماذا الاصرار على تقليد شخصيات والت ديزني في دخولهم الى تلك المتاهة ؟
الرؤية ضبابية ومبعثرة . كما أهل السلطة وقعوا في جاذبية الكاميرا , لا في جاذبية القضية . أفكار تصلح لسكان المريخ . يا جماعة , نريد أصواتكم هنا (خبطة قدمكن هنا) لا لسكان المريخ . زعيم أحد الأحزاب الذي كان يراهن على “الاستيلاء” عليهم , والحاقهم بملكوته , لا بمملكته , وصفهم ساخراً بـ”الصحون الطائرة” . تراهم فوق الواقع أم تحت الواقع ؟
شخصية سياسية خليجية طلبت مني , في الثمانينات من القرن الماضي , أن نقوم بجولة في المناطق اللبنانية . حين وصلنا الى احدى البلدات الجبلية فوجئت به يجلس على الرصيف وهو في حالة انتشاء . قال لي “لكأنني على رصيف الجنة” .
الآن , وقد بلغ من العمر عتيّا , اتصل بي بصوت متهدج “يبدو أن الساسة عندكم مبرمجون ليقودوكم اما الى الخنادق أو الى المقابر” . ما نلاحظه الآن من كلام بعض القيادات , بمن فيها قيادات روحية , أن دستور الطائف لم يردم لا الخنادق , ولا المقابر .
قبل سنوات , وقد نشرت ذلك , قال لي الرئيس حسين الحسيني “كل شيء يشي بأننا ذاهبون , في هذا القارب المثقوب , نحو حرب أهلية . تصور أي لبنان , وأي لبنانيين , بعد ذلك . يا أبا علي , أي لبنان , وأي لبنانيين , الآن حين تصف “الفايننشال تايمز” لبنان بـ “مزرعة المستحيل ” ؟
ما من بلد في العالم واجه مثل تلك السلسلة من المستحيلات . انتخاب رئيس للجمهورية مستحيل . تشكيل حكومة مستحيل . التقسيم مستحيل . الابقاء على الصيغة الراهنة مستحيل , ازاحة الأوليغارشيا الحاكمة مستحيل . النظام البديل مستحيل . الغزو الاسرائيلي مستحيل . عودة رستم غزالي من العالم الآخر مستحيلة . حتى خبراء صندوق النقد الدولي يأتوننا بتكشيرة حفاري القبور !
ادمون رزق وصف رؤساء الجمهورية بعد الطائف بـ”النزلاء” في القصر . متى صنع اللبنانيون رؤساءهم ؟ كما تم تركيب الجمهورية يتم تركيب رئيس الجمهورية . “شقفة من هنا وشقفة من هناك” . لكن الصراعات الاقليمية الآن تتقاطع , بشكل أو بآخر , مع الصراعات الدولية . مثلما تقفل كل الأبواب تقفل كل المداخن …
توماس فريدمان لاحظ ألاّ أحد يستطيع التكهن بما ينتظر الشرق الأوسط الذي لن يكون , حتماً , في يد أميركا فقط . لا يستبعد أن تحتاج الصفقة الكبرى , أو الحرب الكبرى , الى جثث كثيرة .
وراء الضوء , المشكلة ليس في فراغ المواقع المارونية الأمامية , كامتداد مبرمج للفراغ الرئاسي . متى لم يكن القصر فارغاً , ولم تأت التسويات برئيس لا يستطيع الا أن يكون رهينة الذين حملوه على أكتافهم الى الموقع ؟
قد يكون قد تناهى الى بكركي ما قيل في مجلس خاص (غير ماروني) من أن زمن الرئيس الماروني انتهى بانتهاء الدولة المارونية . الكلام قيل بعصبية طائفية لا بعصبية وطنية .
هنا التساؤل عن الجهة التي تعدّ في الخفاء لسيناريو ما يرمي الى احداث زلزال في البنية الدستورية والديموغرافية في جمهورية يبدو واضحاً أنها تقاد , من مكان ما , أو من أمكنة ما , نحو الانفجار …
لا نتصور أن اللقاء الرباعي يمكن أن يتخطى كل ذلك الركام . كل واحد من الأربعة يتكلم من زاويته , ومن مصالحه . التسويات , وكم هي كثيرة ومضنية , لا تبدأ من لبنان . ولكن هل تصل الى لبنان ..؟!
Discussion about this post