لا يبدو أن الاستنفار الأميركي لعرقلة الانفتاح العربي – الإقليمي على الحكومة السورية، بدأ يؤتي أُكله وفق ما تُنبئ به جملة تطوّرات متسارعة على هذا الصعيد، إذ حملت مسارعة أنقرة إلى طلب لقاء دبلوماسي عاجل الأسبوع المقبل مع بقيّة أطراف مسار «أستانا»، إلى جانب دمشق، مؤشّراً واضحاً إلى رغبتها في تسريع مسار التطبيع مع الأخيرة، في ظلّ استمرار السياسة الأميركية التي تراها مُناهِضةً لمصالحها في سوريا. وفي الاتّجاه نفسه، عزّزت السعودية رسائلها «التودّدية» إلى الجانب السوري، مُكرِّرةً تشديدها على ضرورة بدء حوار معه، بما «قد يؤدّي في النهاية إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية»
وبينما كان الوزير الإيراني يُجري جولة مكّوكية بين أنقرة ودمشق، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، السعودية، لإجراء محادثات حول قضايا عدّة، سواء الحرب في أوكرانيا، أو الملفّ النفطي الروسي، بالإضافة إلى القضية السورية، التي تبدي الرياض مزيداً من المرونة في التعامل معها. وأنبأت بذلك تصريحاتٌ دافئة جديدة لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، قال فيها إن «الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزْل سوريا لا يجدي، وأن الحوار مع دمشق ضروري، وخاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك». وأضاف ابن فرحان، في تصريحات إلى الصحافيين في لندن، قبل استقباله نظيره الروسي في الرياض: «قد يؤدّي ذلك في النهاية إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية»، متابعاً في ردّ على سؤال حول دعوة سوريا إلى القمّة العربية المُقرَّرة في الرياض: «أعتقد أن من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر». وخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف، أعلن الأخير أنه وَضع نظيره السعودي في أجواء تحضيرات المؤتمر المزمَع لأطراف «أستانا» بشأن الأزمة السورية، مؤكّداً أن بلاده «حريصة على عودة سوريا إلى الأُسرة العربية».
ويُساوق الحَراك السياسي والدبلوماسي مع تركيا من جهة، ومع السعودية من جهة أخرى، الاستراتيجيةَ التي تبنّتها دمشق لإعادة العلاقات بشكل ثنائي، والتي أعادت فتْح الأبواب المغلَقة مع دول عربية عديدة آخرها مصر، إذ تُولي سوريا أهمّية قصوى لتلك العلاقات، وترى فيها مدخلاً مناسباً لعودة دمشق إلى ممارسة دورها السياسي في المنطقة، بما من شأنه أن يفضي في المحصّلة إلى عودتها إلى مقعدها المجمَّد في «الجامعة العربية» منذ أكثر من عشرة أعوام. وقد جاء الزلزال المدمّر ليمنح دفعة لتلك الاستراتيجية، عبر إعطاء العواصم العربية الراغبة في التواصل مع دمشق، منفذاً مناسباً، بعيداً عن التلويح الأميركي المستمرّ بالعقوبات ضدّ كلّ مَن يحاول كسْر عزلة سوريا السياسية.
Discussion about this post